وفقا لما جاء بنص المادة ٢/١٠٤ من قانون الاثبات الصادر بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٨؛ فالإقرار لا تجوز تجزئته، فإما أن يؤخذ كله أو يترك كله فلا يستطيع أن يأخذ من الإقرار ما ينفعه ويترك ما يضره علي أن مسألة عدم التجزئة لا تعرض بالنسبة إلي كل صور الإقرار، إذ يقسم الشراح الإقرار القضائي فيما يتعلق بالتجزئة إلي ثلاثة أنواع بسيط وإقرار موصوف وإقرار مركب.
فالإقرار البسيط هو ما كان اعترافا تاما من المدعي عليه بما يدعيه المدعي دون تعديل فيه، كما إذا ادعي الدائن أنه أقرض المدعي عليه مبلغا معينا بفائدة معينة ابتداء من تاريخ معين، فاعترف المدعي عليه بالفرص وقيمته وتاريخه وبالفوائد وسعرها، فهذا الإقرار كله في مصلحة الدائم ولا محل للبحث في تجزئته، ويتعين علي المقر في هذه الحالة أن يثبت براءة ذمته من الدين طبقا لقواعد الإثبات العامة.
أما الإقرار الموصوف فهو إقرار الشخص بما ادعاه المدعي لا كما هوبا موصوفة بوصف آخر يعدل فيه كما لو ادعي الدائن دينا باتا حالا فأقر المدعي عليه بالدين مضافا إلي أجل أو معلقا علي شرط، أو إذا طالب المدعي المدعي عليه برد منقول كان مملوكا لمورث الاول فأقر المدعي عليه بأن هذه المنقول في حيازته وأنه تسلمه من الموروث علي سبيل الهبة وحكم هذا الإقرار أنه لا يتجزأ علي صاحبه، فإما أن يأخذ الدائن الإقرار كله موصوفة كما هو أو يطرحه كله وليس له أن يجزئه فيقتصر علي إقرار المدين بالدين ويدع الوصف الذي دخل علي الدين من أجل أو شرط ويلقي عبء إثباته علي المدين. فإذا أخذ بالإقرار كله كان الثابت بهذا الإقرار هو الدين موصوفا بالاجل أو الشرط، وإذا طرح الإقرار كله لم يثبت شئ بالإقرار المطروح وعلي الدائن إثبات ما ادعاه كما لو لم يكن هناك أي إقرار، فيتعين عليه أم يثبت الدين علي المدين أن يثبت الأجل أو الشرط، ويجوز أيضا أن يتخذ الدائن من الإقرار طريقا لإثبات القرض في ذاته ثم يثبت هو - لا المدين - أن القرض قد حل أجله وأنه غير معلق علي شرط وهو مقيد في هذه الحالة بالقواعد العامة في الإثبات والتي لا تجيز للدائن أن يستبقي من الإقرار ما هو في صالحه ويلقي علي المقر عبء إثبات ما ليس في صالحه، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار ولا تصح التجزئة في الإقرار الموصوف.
والإقرار المركب هو الإقرار بالواقعة المدعي بها بواقع أخري تترتب عليها نتائج تؤثر في نتائج الواقعة الاولي، كما إذا ادعي شخصعليآهر بمبلغ أقرضه إياه فأقره المدعي عليه بأنه اقترض فعلا هذا المبلغ، ثم وفاه، أو أن الدنيا انقضي بالتجديد أو بالمقاصة. والفرق بين الإقرار المركب والإقرار الموصوف - وكلاهما يشتمل علي واقعة أصاية وواقع مرتبطة بها - أن في الإقرار الموصوف تقترن الواقعة المرتبطة من وقت نشوء الواقعة الأصلية، أما في الاقرار المركب فالواقعة المرتبطة لا تقترن بالواقعة الأصلية من وقت نشوئها بل تستجد بعدها. والأصل في الإقرار المركب أنه لا يتجزأ أيضا علي صاحبه، فإذا أقر المدين أنه اقترض مبلغا ولكنه وفاه فإما أن يأخذ الدائن بالإقرار كله فيخسر دعواه أو يطرح الإقرار كله وعليه أن يثبت الدين وعلي المدين أن يثبت الوفاء أو يستبقي الإقرار بالفرص وحمل عبء إثبات الوفاء علي المدين،فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار حيث لا تصح التجزئة وكذلك يكون الحكم فيما إذا أقر المدين بأنه اقترض المبلغ،ولكن الدين انقضي بالتجديد أو انقضي بالابراء، ففي هاتين الحالتين لا يتجزأ الإقرار علي صاحبه لا يجوز للدائن أن يستبقي من الإقرار ما هو في صالحه اي واقعة المديونية ويلقي علي المدين عبء إثبات ما ليس في صالحه أي واقعة التجديد أو واقعة الإبراء.
والمشترك في الأحوال الثلاث المتقدمة - وهي الإقرار بالدين والوفاء، والإقرار بالدين وانقضائه بالتجديد، والإقرار بالدين والابراء منه - أن الواقعة المرتبطة تستلزم حتما وجود الواقعة الأصلية، فالوفاء بالدين يستلزم حتما وجود الدين قبل ذلك، وكذلك تجديد الدين والابراء منه كل منها تستلزم حتما سبق وجود دين حصل فيه التجديد أو وقع فيه الإبراء، من ثم لا يمكن الواقعين، الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة بها أم تنفك إحداهما عن الأخري فهما متلازمان ولا تصح فيهما التجزئة، أما إذا كانت الواقعة المرتبطة لا تستلزم حتما وجود الواقعة الأصلية فإن الإقرار يتجزأ كما إذا أقر المدين بالفرص منفصل عن الدين الذي يدعي المدين وقوع المقاصة فيه، ووجود أحدهما لا يستلزم حتما وجود الآخر، ومن ثم كان الفصل بينهما ممكنا، وصحت التجزئة في الإقرار. فإذا أقر المدين بالفرص لكنه أدعي أنه سقط بالمقاصة كان للدائن في هذه الحالة أن يجزئ الإقرار علي المدين فيجعل القرض ثابتا بالاقرار، ويلقي علي المدين عبء إثبات أم له دينا في ذمة الدائن كان سببا في وقوع المقاصة وهذا هو الرأي الراجح في الفقه.
« السنهوري في الوجيز ص ٦٨٤ ورسالة الإثبات لنشأت ص ٤٨٢، وسليمان مرقص في أصول الإثبات ط ٥ ج ١ ص ٦٧٣ »
غير أن هناك رأيت آخر ذهب إلي أنه لا يجوز تجزئة الإقرار في هذه الحالة استنادا الي أن من أقر بالدين وبالمقاصة لم تتجه إرادته مطلقا إلي اعتبار الدين ثابتا في ذمته، بل إنه قصد بالإقرار في هذه الصورة إنكار مديونيته وقت المطالبة.
ويتجزأ الاعتراف إذا ادعي شخص علي آخر بجملة تعهدات، فاعترف بالبعض وأنكر البعض بمعني أنه يحكم بالتعهدات المعترف بها.
ويلاحظ أنه إذا كانت هناك وقائع قانونية مختلفة صدر بشأنها إقرار في خلال استجواب معين فتعدد الوقائع يستتبع تعددت مقابلا في الإقرارات حتي إن كلا منها يعتبر إقرارا مستقلا ويلزم من ذلك اعتبار كل إقرار من هذه الإقرارات وحدة قائمة بذاتها لا تقبل التجزئة بمفردها، وإن كان مجموع الإقرارات مجزأ في جوهره. ويعتبر الإقرار متي ورد علي الواقعة المتنازعة إقرارا كاملا يتأثر بسائر الإقرارات المتعلقة بوقائع أخري.
ويذهب الأستاذ نشأت إلي أنه حتي في الأحوال التي لا تصح التجزئة فيها فإنه تصح التجزئة إذا كان هناك تناقض في أقوال المقر، كما إذا أدعي شخص علي أخر دينا فقال إنه هبة ثم اعترف بأنه دين وادعي أنه وفاه. كذلك يري أن الاعتراف يتجزأ إذا كانت الواقعة الثانية مستحيل وكان الكذب فيها ظاهرا، كما إذا قال شخص رفعت عليه دعوي بدين أنه أخذ المبلغ لشراء أسهم للمدعي وتبين أنه اشتراها باسمه إذ باستبعاد الواقعة الثانية في هذه الأحوال يصبح الإقرار بسيطا كما يريد أن الاعتراف فيه غموض أو لبس فيجب اولا معرفة مقاصد المعترف ثم البحث فيما إذا كان الاعتراف قابلا للتجزئة ام لا طبقا للقواعد المتقدمة ويكون ذلك بتفسير اعترافه طبقا لقواعد التفسير القانونية التي تفسر بها المشارطات.
ويتعين ملاحظة أنه سواء كان الإقرار موصوفا أو مركبا فإنه للمدعي أن يثبت أن الواقعة المضافة غير صحيحة، فليس هناك ما يمنع قانونا من أن يستبقي الدائن من الإقرار ما هو في صالحه ويدحض بدليل يقدمه ما ليس في صالحه عن الاقرار، فإذا أقر المدين بالدين، ولكنه أدعي أنه معلق علي شرط أو مضاف إلي أجل جاز للدائن أن يستبقي الإقرار بالدين، ثم يكون عليه أن يقدم الدليل علي أن الدين الذي أقر به المدين لم يكن معلقا علي شرط أو مضافا إلي أجل وإذا ادعي شخص علي آخر دينا أقر به ولكنه أدعي أنه وفاه جاز للمدعي أن يثبت عدم حصول الوفاء وليس في هذا مخالفة للقانون لأن الممتنع قانونا هو أن يستبقي الدائن من الإقرار ما هو في صالحه ويطرح منه ما يعد في غير صالحه.
كذلك يتعين ملاحظة ان إثبات عدم صحة الواقعة المضاف ، إنما يكون بنفس الطرق التي يمكن بها إثبات الواقعة الاصلية، فإذا كانت الواقعة المعترف بها تصرفا قانونيا بما يوجب القانون إثباته بالكتابة فلا يجوز إثبات عدم صحة الواقعة المضافة إلا بالكتابة فإذا أقر المدين بالدين ولكنه أدعي أنه وفاه للدائن وكانت قيمته تزيد علي خمسمائة جنيه فلا يجوز للدائن نفي حصول الوفاء إلا بالكتابة، ومتي اثبت الدائم عدم صحة الواقعة المرتبطة بالواقعة الأصلية أو المضافة إليها وجب استبعادها والأخذ بالواقعة الأصلية واعتبار الإقرار بسيطا قاطع الحجية.
ومما هو جدير بالذكر أنه لا يجوز لأكثر أن يتمسك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار إلا إذا كان المدعي قد استند إلي الآثار باعتباره هو الدليل الوحيد في الدعوي، أما إذا كانت الواقع المدعي ثابتة بدليل آخر، وكان هذا الدليل كاملا فا حاجة إلي المدعي للتمسك بالاقرار، وإذا كان الدليل الذي قدمه المدعي ناقصا جاز له أن يتمسك بالإقرار باعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة متي كان من شأن الإقرار أن يجعل الواقعة المدعي بها قريبة الاحتمال فيستطيع تكملة الدلالة المستمدة من الآقرار بالبينة والقرائن ولا يجوز للمدعي عليه أن يتمسك في هذه الحالة بقاعدة عدم تجزئة الإقرار لأن المدعي إنما يستعمل حقه في الإثبات وفقا للقواعد العامة.
وتكييف الأقوال المنسوبة إلي الخصم، وما إذا كانت تعتبر صادرة أو غير صادرة في مجلس القضاء مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، وكذلك الشأن فيما يتعلق بحرية الإقرار القضائي وكونه يجوز أو لا يجوز الرجوع فيه أو كونه يقبل التجزئة أو لا يقبلها كلها مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض بشرط إثارتها أمام محكمة الموضوع إذ لا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض.
« قانون الاثبات للمستشار محمد عبد اللطيف - ج ٢ ص ٢٦٧ وما بعدها »
ومما هو جدير بالذكر أن قاعدة عدم جواز تجزئة الاعتراف لا تسري في المواد الجنائية لأن الإقرار أمامها ليس حجة بذاته، وإنما يتوقف علي اقتناع القاضي فيجوز له أن يأخذ به كله أو يأخذ ببعضه أو يرفضه كله، إلا أنه يستثني من ذلك أن يكون موضوع الإقرار عقدا مدنيا يتوقف عليه ثبوت الجريمة كالوديعة متي كان هذا الإقرار هو الطريق الوحيد المثبت لهذا العقد طبقا لأحكام القانون المدني.
وهناك حالات يبدو فيها أن الإقرار يتجزأ خلافا للقاعدة السابق بيانها، ولكنه في الواقع إنما يتجزأ لتخلف شرك من شروط عدم قابليته للتجزئة، ومنها
إذا تضمنت أقوال المقر أثناء استجوابه الاعتراف بعدة مسائل كل منها يستقل عن الآخر تماما فهنا يجوز للقاضي أن يعتبر كل إجابة من هذه الأقوال إقرار قائما بذاته وجاز للمقر له التمسك بأحد هذه الإقرارات دون الأخري، غير أن المجتمعين في هذه الحالة ينتهي إلي أنها لا تعتبر تجزئة للإقرار الواحد، وإنما هي في حقيقتها فصل إقرارات متعددة عن بعضها البعض. مثال ذلك تقديم الحارس أو الوكيل كشف حساب عن حراسته أو وكالته، فإن كل بند من بنوده يعتبر إقرارا قائما بذاته ويجوز لذي الشأن أن يسلم ببعضها دون البعض الآخر ولا يجوز للحارس أو الوكيل أن يتمسك بعدم تجزئة الحساب.
إذا استطاع المقر له أن يثبت كذب الإقرار فينا يتعلق بالواقعة التي ربطها المقر بالواقعة الأصلية إذ يجوز له حينئذ أن يتمسك بالإقرار فيما يتعلق بالواقعة الأصلية وحدها، غير أن هذه الحالة لا تعتبر استثناء من القاعدة إذ أن المقر له يمكنه الأخذ بأحد شقي الإقرار دون تجزئة مع استعمال حقه في إثبات عكس الشق الآخر.
إذا كانت الواقعة المضافة مستحيلة أو ظاهرها الكذب بطبيعتها أو كانت متناقضة بحيث تحمل علي الاعتقاد بأنه لا وجود لها، كما إذا أقر المدين بمديونيته للمبلغ الذي حصل عليه سبيل القرض من سنتين ولكنه أدعي أنه كان قاصرا في ذلك الوقت مع أنه يبلغ من العمر خمسين عاما.
إذا تميم المقر له بأقوال المقر لا باعتبارها دليلا كاملا علي صحة ما ادعاه بل باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كانت بخط يد المقر ومسجلة علي لسانه في محاضر رسمية أو باعتبارها قرينة قضائية يعززها مبدأ ثبوت بالكتابة، فإنه يجوز له أن يأخذ ببعض هذه الأقوال دون البعض الآخر، غير أن هذه الحالة لا تعد استثناء من قاعدة عدم التجزئة لأنها لا تعتبر تجزئة لأن المقر له أن يتمسك بهذه الأقوال لا باعتبارها إقرار قضائيا ولكن علي أساس أنها من العناصر الداخلة في تكوين طرق أخري من طرق الاثبات، وفي هذه الحالة لا يجوز للمقر بأن يتمسك بعدم تجزئة الإقرار ليعفي نفسه من إثبات الشق الذي اضافه إلي الواقعة المدعي بها لأنه ملزم بإثباته وفقا للقواعد العامة.
إذا كان الإقرار مركبا وتضمن الإقرار واقعة ضارة بالمقر وأخري مفيدة له وأثبت المقر له الواقعة الضارة بالمقر فلا يجوز له أن يتمسك بعدم تجزئ الإقرار لاعتبار الواقعة الخريف ثابتة به لأن المدعي لا يعتبر الإقرار دليله فلا يصح أن يحتج عليه به.
مكتب الاستاذه/ رانيا عزت القلوعي للمحاماه والإستشارات القانونية
فالإقرار البسيط هو ما كان اعترافا تاما من المدعي عليه بما يدعيه المدعي دون تعديل فيه، كما إذا ادعي الدائن أنه أقرض المدعي عليه مبلغا معينا بفائدة معينة ابتداء من تاريخ معين، فاعترف المدعي عليه بالفرص وقيمته وتاريخه وبالفوائد وسعرها، فهذا الإقرار كله في مصلحة الدائم ولا محل للبحث في تجزئته، ويتعين علي المقر في هذه الحالة أن يثبت براءة ذمته من الدين طبقا لقواعد الإثبات العامة.
أما الإقرار الموصوف فهو إقرار الشخص بما ادعاه المدعي لا كما هوبا موصوفة بوصف آخر يعدل فيه كما لو ادعي الدائن دينا باتا حالا فأقر المدعي عليه بالدين مضافا إلي أجل أو معلقا علي شرط، أو إذا طالب المدعي المدعي عليه برد منقول كان مملوكا لمورث الاول فأقر المدعي عليه بأن هذه المنقول في حيازته وأنه تسلمه من الموروث علي سبيل الهبة وحكم هذا الإقرار أنه لا يتجزأ علي صاحبه، فإما أن يأخذ الدائن الإقرار كله موصوفة كما هو أو يطرحه كله وليس له أن يجزئه فيقتصر علي إقرار المدين بالدين ويدع الوصف الذي دخل علي الدين من أجل أو شرط ويلقي عبء إثباته علي المدين. فإذا أخذ بالإقرار كله كان الثابت بهذا الإقرار هو الدين موصوفا بالاجل أو الشرط، وإذا طرح الإقرار كله لم يثبت شئ بالإقرار المطروح وعلي الدائن إثبات ما ادعاه كما لو لم يكن هناك أي إقرار، فيتعين عليه أم يثبت الدين علي المدين أن يثبت الأجل أو الشرط، ويجوز أيضا أن يتخذ الدائن من الإقرار طريقا لإثبات القرض في ذاته ثم يثبت هو - لا المدين - أن القرض قد حل أجله وأنه غير معلق علي شرط وهو مقيد في هذه الحالة بالقواعد العامة في الإثبات والتي لا تجيز للدائن أن يستبقي من الإقرار ما هو في صالحه ويلقي علي المقر عبء إثبات ما ليس في صالحه، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار ولا تصح التجزئة في الإقرار الموصوف.
والإقرار المركب هو الإقرار بالواقعة المدعي بها بواقع أخري تترتب عليها نتائج تؤثر في نتائج الواقعة الاولي، كما إذا ادعي شخصعليآهر بمبلغ أقرضه إياه فأقره المدعي عليه بأنه اقترض فعلا هذا المبلغ، ثم وفاه، أو أن الدنيا انقضي بالتجديد أو بالمقاصة. والفرق بين الإقرار المركب والإقرار الموصوف - وكلاهما يشتمل علي واقعة أصاية وواقع مرتبطة بها - أن في الإقرار الموصوف تقترن الواقعة المرتبطة من وقت نشوء الواقعة الأصلية، أما في الاقرار المركب فالواقعة المرتبطة لا تقترن بالواقعة الأصلية من وقت نشوئها بل تستجد بعدها. والأصل في الإقرار المركب أنه لا يتجزأ أيضا علي صاحبه، فإذا أقر المدين أنه اقترض مبلغا ولكنه وفاه فإما أن يأخذ الدائن بالإقرار كله فيخسر دعواه أو يطرح الإقرار كله وعليه أن يثبت الدين وعلي المدين أن يثبت الوفاء أو يستبقي الإقرار بالفرص وحمل عبء إثبات الوفاء علي المدين،فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار حيث لا تصح التجزئة وكذلك يكون الحكم فيما إذا أقر المدين بأنه اقترض المبلغ،ولكن الدين انقضي بالتجديد أو انقضي بالابراء، ففي هاتين الحالتين لا يتجزأ الإقرار علي صاحبه لا يجوز للدائن أن يستبقي من الإقرار ما هو في صالحه اي واقعة المديونية ويلقي علي المدين عبء إثبات ما ليس في صالحه أي واقعة التجديد أو واقعة الإبراء.
والمشترك في الأحوال الثلاث المتقدمة - وهي الإقرار بالدين والوفاء، والإقرار بالدين وانقضائه بالتجديد، والإقرار بالدين والابراء منه - أن الواقعة المرتبطة تستلزم حتما وجود الواقعة الأصلية، فالوفاء بالدين يستلزم حتما وجود الدين قبل ذلك، وكذلك تجديد الدين والابراء منه كل منها تستلزم حتما سبق وجود دين حصل فيه التجديد أو وقع فيه الإبراء، من ثم لا يمكن الواقعين، الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة بها أم تنفك إحداهما عن الأخري فهما متلازمان ولا تصح فيهما التجزئة، أما إذا كانت الواقعة المرتبطة لا تستلزم حتما وجود الواقعة الأصلية فإن الإقرار يتجزأ كما إذا أقر المدين بالفرص منفصل عن الدين الذي يدعي المدين وقوع المقاصة فيه، ووجود أحدهما لا يستلزم حتما وجود الآخر، ومن ثم كان الفصل بينهما ممكنا، وصحت التجزئة في الإقرار. فإذا أقر المدين بالفرص لكنه أدعي أنه سقط بالمقاصة كان للدائن في هذه الحالة أن يجزئ الإقرار علي المدين فيجعل القرض ثابتا بالاقرار، ويلقي علي المدين عبء إثبات أم له دينا في ذمة الدائن كان سببا في وقوع المقاصة وهذا هو الرأي الراجح في الفقه.
« السنهوري في الوجيز ص ٦٨٤ ورسالة الإثبات لنشأت ص ٤٨٢، وسليمان مرقص في أصول الإثبات ط ٥ ج ١ ص ٦٧٣ »
غير أن هناك رأيت آخر ذهب إلي أنه لا يجوز تجزئة الإقرار في هذه الحالة استنادا الي أن من أقر بالدين وبالمقاصة لم تتجه إرادته مطلقا إلي اعتبار الدين ثابتا في ذمته، بل إنه قصد بالإقرار في هذه الصورة إنكار مديونيته وقت المطالبة.
ويتجزأ الاعتراف إذا ادعي شخص علي آخر بجملة تعهدات، فاعترف بالبعض وأنكر البعض بمعني أنه يحكم بالتعهدات المعترف بها.
ويلاحظ أنه إذا كانت هناك وقائع قانونية مختلفة صدر بشأنها إقرار في خلال استجواب معين فتعدد الوقائع يستتبع تعددت مقابلا في الإقرارات حتي إن كلا منها يعتبر إقرارا مستقلا ويلزم من ذلك اعتبار كل إقرار من هذه الإقرارات وحدة قائمة بذاتها لا تقبل التجزئة بمفردها، وإن كان مجموع الإقرارات مجزأ في جوهره. ويعتبر الإقرار متي ورد علي الواقعة المتنازعة إقرارا كاملا يتأثر بسائر الإقرارات المتعلقة بوقائع أخري.
ويذهب الأستاذ نشأت إلي أنه حتي في الأحوال التي لا تصح التجزئة فيها فإنه تصح التجزئة إذا كان هناك تناقض في أقوال المقر، كما إذا أدعي شخص علي أخر دينا فقال إنه هبة ثم اعترف بأنه دين وادعي أنه وفاه. كذلك يري أن الاعتراف يتجزأ إذا كانت الواقعة الثانية مستحيل وكان الكذب فيها ظاهرا، كما إذا قال شخص رفعت عليه دعوي بدين أنه أخذ المبلغ لشراء أسهم للمدعي وتبين أنه اشتراها باسمه إذ باستبعاد الواقعة الثانية في هذه الأحوال يصبح الإقرار بسيطا كما يريد أن الاعتراف فيه غموض أو لبس فيجب اولا معرفة مقاصد المعترف ثم البحث فيما إذا كان الاعتراف قابلا للتجزئة ام لا طبقا للقواعد المتقدمة ويكون ذلك بتفسير اعترافه طبقا لقواعد التفسير القانونية التي تفسر بها المشارطات.
ويتعين ملاحظة أنه سواء كان الإقرار موصوفا أو مركبا فإنه للمدعي أن يثبت أن الواقعة المضافة غير صحيحة، فليس هناك ما يمنع قانونا من أن يستبقي الدائن من الإقرار ما هو في صالحه ويدحض بدليل يقدمه ما ليس في صالحه عن الاقرار، فإذا أقر المدين بالدين، ولكنه أدعي أنه معلق علي شرط أو مضاف إلي أجل جاز للدائن أن يستبقي الإقرار بالدين، ثم يكون عليه أن يقدم الدليل علي أن الدين الذي أقر به المدين لم يكن معلقا علي شرط أو مضافا إلي أجل وإذا ادعي شخص علي آخر دينا أقر به ولكنه أدعي أنه وفاه جاز للمدعي أن يثبت عدم حصول الوفاء وليس في هذا مخالفة للقانون لأن الممتنع قانونا هو أن يستبقي الدائن من الإقرار ما هو في صالحه ويطرح منه ما يعد في غير صالحه.
كذلك يتعين ملاحظة ان إثبات عدم صحة الواقعة المضاف ، إنما يكون بنفس الطرق التي يمكن بها إثبات الواقعة الاصلية، فإذا كانت الواقعة المعترف بها تصرفا قانونيا بما يوجب القانون إثباته بالكتابة فلا يجوز إثبات عدم صحة الواقعة المضافة إلا بالكتابة فإذا أقر المدين بالدين ولكنه أدعي أنه وفاه للدائن وكانت قيمته تزيد علي خمسمائة جنيه فلا يجوز للدائن نفي حصول الوفاء إلا بالكتابة، ومتي اثبت الدائم عدم صحة الواقعة المرتبطة بالواقعة الأصلية أو المضافة إليها وجب استبعادها والأخذ بالواقعة الأصلية واعتبار الإقرار بسيطا قاطع الحجية.
ومما هو جدير بالذكر أنه لا يجوز لأكثر أن يتمسك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار إلا إذا كان المدعي قد استند إلي الآثار باعتباره هو الدليل الوحيد في الدعوي، أما إذا كانت الواقع المدعي ثابتة بدليل آخر، وكان هذا الدليل كاملا فا حاجة إلي المدعي للتمسك بالاقرار، وإذا كان الدليل الذي قدمه المدعي ناقصا جاز له أن يتمسك بالإقرار باعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة متي كان من شأن الإقرار أن يجعل الواقعة المدعي بها قريبة الاحتمال فيستطيع تكملة الدلالة المستمدة من الآقرار بالبينة والقرائن ولا يجوز للمدعي عليه أن يتمسك في هذه الحالة بقاعدة عدم تجزئة الإقرار لأن المدعي إنما يستعمل حقه في الإثبات وفقا للقواعد العامة.
وتكييف الأقوال المنسوبة إلي الخصم، وما إذا كانت تعتبر صادرة أو غير صادرة في مجلس القضاء مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، وكذلك الشأن فيما يتعلق بحرية الإقرار القضائي وكونه يجوز أو لا يجوز الرجوع فيه أو كونه يقبل التجزئة أو لا يقبلها كلها مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض بشرط إثارتها أمام محكمة الموضوع إذ لا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض.
« قانون الاثبات للمستشار محمد عبد اللطيف - ج ٢ ص ٢٦٧ وما بعدها »
ومما هو جدير بالذكر أن قاعدة عدم جواز تجزئة الاعتراف لا تسري في المواد الجنائية لأن الإقرار أمامها ليس حجة بذاته، وإنما يتوقف علي اقتناع القاضي فيجوز له أن يأخذ به كله أو يأخذ ببعضه أو يرفضه كله، إلا أنه يستثني من ذلك أن يكون موضوع الإقرار عقدا مدنيا يتوقف عليه ثبوت الجريمة كالوديعة متي كان هذا الإقرار هو الطريق الوحيد المثبت لهذا العقد طبقا لأحكام القانون المدني.
وهناك حالات يبدو فيها أن الإقرار يتجزأ خلافا للقاعدة السابق بيانها، ولكنه في الواقع إنما يتجزأ لتخلف شرك من شروط عدم قابليته للتجزئة، ومنها
إذا تضمنت أقوال المقر أثناء استجوابه الاعتراف بعدة مسائل كل منها يستقل عن الآخر تماما فهنا يجوز للقاضي أن يعتبر كل إجابة من هذه الأقوال إقرار قائما بذاته وجاز للمقر له التمسك بأحد هذه الإقرارات دون الأخري، غير أن المجتمعين في هذه الحالة ينتهي إلي أنها لا تعتبر تجزئة للإقرار الواحد، وإنما هي في حقيقتها فصل إقرارات متعددة عن بعضها البعض. مثال ذلك تقديم الحارس أو الوكيل كشف حساب عن حراسته أو وكالته، فإن كل بند من بنوده يعتبر إقرارا قائما بذاته ويجوز لذي الشأن أن يسلم ببعضها دون البعض الآخر ولا يجوز للحارس أو الوكيل أن يتمسك بعدم تجزئة الحساب.
إذا استطاع المقر له أن يثبت كذب الإقرار فينا يتعلق بالواقعة التي ربطها المقر بالواقعة الأصلية إذ يجوز له حينئذ أن يتمسك بالإقرار فيما يتعلق بالواقعة الأصلية وحدها، غير أن هذه الحالة لا تعتبر استثناء من القاعدة إذ أن المقر له يمكنه الأخذ بأحد شقي الإقرار دون تجزئة مع استعمال حقه في إثبات عكس الشق الآخر.
إذا كانت الواقعة المضافة مستحيلة أو ظاهرها الكذب بطبيعتها أو كانت متناقضة بحيث تحمل علي الاعتقاد بأنه لا وجود لها، كما إذا أقر المدين بمديونيته للمبلغ الذي حصل عليه سبيل القرض من سنتين ولكنه أدعي أنه كان قاصرا في ذلك الوقت مع أنه يبلغ من العمر خمسين عاما.
إذا تميم المقر له بأقوال المقر لا باعتبارها دليلا كاملا علي صحة ما ادعاه بل باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كانت بخط يد المقر ومسجلة علي لسانه في محاضر رسمية أو باعتبارها قرينة قضائية يعززها مبدأ ثبوت بالكتابة، فإنه يجوز له أن يأخذ ببعض هذه الأقوال دون البعض الآخر، غير أن هذه الحالة لا تعد استثناء من قاعدة عدم التجزئة لأنها لا تعتبر تجزئة لأن المقر له أن يتمسك بهذه الأقوال لا باعتبارها إقرار قضائيا ولكن علي أساس أنها من العناصر الداخلة في تكوين طرق أخري من طرق الاثبات، وفي هذه الحالة لا يجوز للمقر بأن يتمسك بعدم تجزئة الإقرار ليعفي نفسه من إثبات الشق الذي اضافه إلي الواقعة المدعي بها لأنه ملزم بإثباته وفقا للقواعد العامة.
إذا كان الإقرار مركبا وتضمن الإقرار واقعة ضارة بالمقر وأخري مفيدة له وأثبت المقر له الواقعة الضارة بالمقر فلا يجوز له أن يتمسك بعدم تجزئ الإقرار لاعتبار الواقعة الخريف ثابتة به لأن المدعي لا يعتبر الإقرار دليله فلا يصح أن يحتج عليه به.
مكتب الاستاذه/ رانيا عزت القلوعي للمحاماه والإستشارات القانونية