فصل الشارع المصرى تزوير المحررات عن استعمالها فجعل من كل منهما جريمة قائمة بذاتها ، وقد نص على استعمال الأوراق الرسمية فى المادة 214 ، وعلى استعمال الأوراق العرفية فى المادة 215 .
ويترتب على الفصل بين التزوير والاستعمال أن مرتكب التزوير يعاقب ولو لم يستعمل الورقة المزورة ، وأن من يستعمل الورقة المزورة يعاقب على فعله ولو لم يرتكب التزوير أو يشترك فيه ( 1 ) ، فإذا كان من ساهم فى التزوير هو الذى استعمل الورقة المزورة ، فإنه يكون مسئولا عن الجريمتين وتوقع عليه عقوبة واحدة ، تطبيقاً للمادة 32/2 من قانون العقوبات ، هذه العقوبة هى عقوبة التزوير فهى إن لم تكن أشد من عقوبة الاستعمال فى بعض الصور فإنها تتسأوى بها .
ونصت المادة 214 من قانون العقوبات على أن : من استعمل الأوراق المذكورة فى المواد الثلاث السابقة وهو يعلم تزويرها يعاقب بالسجن المؤبد أو بالسجن من ثلاث سنين إلى عشر " وتنص المادة 215 على أن "كل شخص ارتكب تزويرا فى محررات أحد الناس بواسطة إحدى الطرق السابق بيانها أو استعمل ورقة وهو عالم بتزويرها يعاقب بالحبس مع الشغل" ومن هذين النصين يتبين أن الركن المادى فى الجريمة هو استعمال ورقة مزورة ، والركن المعنوى هو علم الجانى وقت الاستعمال بتزوير الورقة ، وفيما يلى بيان كل من الركنين .
استعمال ورقة مزورة : لم يبين القانون ما يعد استعمالا للورقة ، ويراد به التمسك أو الاحتجاج بورقة مقدمة لفرد أو لجهة من الجهات ، فلا يرتكب الجريمة من يقدم ورقة مزورة دون أن يتمسك بها ، ولكنه يرتكبها إذا أبدى رغبته فى الاحتجاج بالورقة بعد تقديمها ، ولا يشترط لتوافر الاستعمال أن يكون من يحتج بالورقة هو مقدمها ، فيرتكب الجريمة من يحتج بورقة قدمها غيره ، إذ أن الجريمة ليست فى تقديم الورقة وإنما فى الاحتجاج بها ، وبناء عليه حكم بتوافر ركن الاستعمال باحتجاج زوجة بورقة مزورة قدمها زوجها فى قضية مدنية ، وبأنه إذا كان المتهم قد زور إذن بريد وأرسله إلى والده لصرفه فنفذ الوالد الأمر وقبض القيمة فمعاقبة ذلك المتهم عن الاستعمال تكون صحيحة ، على أنه لا يمكن القول بأن الفاعل قد تمسك أو أحتج بورقة إلا إذ كانت قد قدمت فعلا ، فيدخل فى دائرة الأعمال التحضيرية مجرد إبداء الرغبة فى تقديم الورقة إلى المحكمة أو مجرد الإشارة إلى ما تتضمنه الورقة فى عريضة دعوى .
والاستعمال المعاقب عليه هو استعمال ورقة تكون فى ذاتها مزورة تزويرا يعاقب عليه القانون ، فتغيير الحقيقة فى ورقة هى من صنع من غير فيها ، كفاتورة حساب مثلا ، واستعمالها بعد ذلك لا جريمة فيه ، وقد حكم بأنه يعد استعمالا تسليم سندات مزورة لدائن بصفة ضمان لسداد دينه ، وتقديم كمبيالة مزورة فى أثناء تحقيق تقوم به النيابة ، لتكون مستندا فى الدفاع فى تهمة ، وتقديم عقد البيع المزور للتسجيل ، لأن التسجيل تتحقق به الاستفادة من العقد بنقل الملكية وشهر البيع ونقل التكليف إلى المشترى ، وتقديم الأورنيك المزور - أورنيك رقم ( 2 ) مرور المعد لإثبات نتيجة اختبار من يطلب رخصة لقيادة سيارة - لكاتب الضبط لإرفاقه بملف طلب الرخصة لإصدارها .
وسيان فى جريمة الاستعمال أن يستخدم الجانى الأصل المزور أو الصورة المطابقة له ، وبناء عليه حكم بأن استخراج صورة مطبقة للأصل المزور - شهادة ميلاد - من الدفاتر الرسمية لاستعمالها فعلا مع العلم بالتزوير الحاصل فى الأصل يعد فى القانون استعمالا لورقة رسمية مزورة ، لا على أساس أن هناك تزويرا فى الصورة ، بل على أساس أن البيانات المستشهد عليها بالصورة والواردة فى الدفتر الرسمى مزورة ، فإستعمال الصورة هو فى الواقع وحقيقة الأمر استعمال للدفتر ذاته والصور لم تجعل إلا كشهادات بما هو ثابت به .
تمام الجريمة وانقطاعها وانتهاؤها : التزوير جريمة وقتية غير متجددة الحدوث ، وعلى العكس من ذلك جريمة الاستعمال فهى جريمة مستمرة متجددة الحدوث ، وتتم جريمة الاستعمال بمجرد الاحتجاج أو التمسك بالورقة المقدمة بصرف النظر عما يطرأ بعد ذلك ، فليس بذى شأن أن تتحقق الغاية التى استخدمت الورقة من أجلها ( 3 ) ، ولا يؤثر فى قيام الجريمة عدول الفاعل عن التمسك بالورقة ( 4 ) ، ولا تنتهى الجريمة بالاحتجاج وإنما تتمر نتيجتها فترة من الزمن تنقضى بالتنازل عن الاحتجاج بالورقة أو بالحكم بتزويرها ، والسائد فى مصر فقها وقضاء أن حالة الاستمرار لا تنتهى فى غير حالة التنازل إلا بالحكم النهائى بتزوير الورقة أو بالحكم الذى صار انتهائياً بفوات ميعاد الاستئناف دون الطعن فيه ، ومن تاريخ الحكم النهائى ، أو من التاريخ الذى أصبح فيه الحكم نهائياً ، تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية ، وهذا صحيح فيما يتعلق بانتهاء حالة الاستمرار ، ولكنه غير صحيح على إطلاقه فيما يتعلق بالتاريخ الذى يبدأ منه احتساب المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية ، وبيان هذا أن الاحتجاج بالورقة أمام المحكمة وبالتالى الحالة المستمرة قد ننقطع أو تنتهى مؤقتا بصدور حكم غير نهائى ، ومن هذا التاريخ تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية ، فلو صدر حكم ابتدائى من المحكمة المدنية برد وبطلان الورقة المقدمة ، ولم يرفع استئناف عن الحكم واستحال بدء ميعاد الاستئناف ، لعدم إعلان الحكم مثلا ، فإن الدعوى الجنائية تنقضى بمضى المدة على الحكم الابتدائى إذا لم يطرأ خلالها من الإجراءات ما يقطعها ، وعلى هذا الفقه والقضاء فى إيطاليا ، ولعلة ظاهرة هى أن الاستمرار معناه دوام الاحتجاج ، والمحكوم ضده بتزوير الورقة لم يستمر فى الاحتجاج بالورقة بعد أن حكم ابتدائياً بتزويرها ، وعلى ذلك تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية ابتداء من الحكم الابتدائى أى من تاريخ انقطاع الاستمرار ( 5 ) فإذا استأنف المحكوم عليه لا يتجدد حدوث الجريمة ، لوحدة الغرض الذى من أجله حصل الاحتجاج أمام المحكمة الابتدائية أولا ثم أمام المحكمة الاستئنافية ثانياً ، وإنما يتجدد الاستمرار وينتهى بصدور الحكم الاستئنافى ومن تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية ( 6 ) ، وقد يتجدد الاستمرار بعد ذلك فيما لو طعن المحكوم ضده بالتماس ، وعندئذ تبدأ المدة المسقطة للدعوى من تاريخ الحكم بعدم قبول الالتماس فى الحكم الصادر بتزوير الورقة ( 7 ) .
أما أن الاستعمال جريمة متجددة الحدوث فمعناه أن الجريمة تتم وتنتهى وقد يتجدد حدوثها وانتهاؤها تبعا للأغراض المختلفة التى قد تستعمل فيها الورقة المزورة ، فكلما استعملت مرة لغرض بعينه تحقق ركن الاستعمال ، وكل مرة تستعمل فيها الورقة تعتبر جريمة استعمالها فى هذه المرة مستمرة بمقدار زمن استعمالها أو التمسك بها للغرض الذى ابتدأ استعمالها من أجله ، وغنى عن البيان أن مدة سقوط الدعوى تبتدئ فى كل مرة من نهاية الاستعمال .
القصد الجنائى : لا يشترط لتوافر القصد سوى أن يكون الجانى عالماً وقت الاستعمال أنه يستخدم محررا مزورا ، ولا عبرة بالأغراض التى يتوخاها الجانى فى الاستعمال فهى غايات لا تدخل فى أركان الجريمة فيرتكب الجريمة من يستخدم ورقة مزورة ولو كان يرمى إلى الوصول إلى حق ثابت شرعاً .
ولما كان استعمال المحرر المزور جريمة مستمرة ، فإنه إذا تمسك شخص بورقة مزورة غير عالم بتزويرها ثم علم بعد ذلك بحقيقتها واستمر فى التمسك بها فإن الجريمة تتوافر أركانها فى هذا الوقت ويحق عقابه ، والعلم بتزوير الورقة يجب أن يكون يقينيا تتثبت منه المحكمة وتورد فى حكمها دليلها عليه ، ولما كان مجرد التمسك بالورقة المزورة لا يكفى فى ثبوت ذلك العلم ، مادام المتهم ليسهو الذى قام بتزويرها أو اشترك فى التزوير ، فإن الحكم الذى يقضى بإدانة متهم فى جريمة الاستعمال على أساس مجرد تمسكه بالورقة المزورة يكون معيباً ( 8 ) .
عقوبة الجريمة :
لا تختلف العقوبة بين التزوير والاستعمال فى المحررات العرفية ، فهى فى الجريمتين الحبس ( م 215 ) ، أما استعمال الأوراق الرسمية المزورة فيعاقب عليه بالسجن المشدد أو بالسجن من ثلاث سنين إلى عشر (مادة 214 ) ، سواء حصل التزوير من الموظف المختص بالتحرير أو من غيره ، وهذه العقوبة هى بعينها عقوبة التزوير الذى يرتكب فى محرر رسمى من غير الموظف المختص ، وأدنى من العقوبة المقررة للموظف المختص ، ولعل الشارع قد لحظ أن الحكمة التى دعته إلى تشديد العقاب على الموظف المختص فى جريمة التزوير لا تتوافر فى جريمة الاستعمال .
( 1 ) نقض 29 مايو سنة 1950 مجموعة أحكام النقض س 1 رقم 229 ص 705 .
( 2 ) نقض 22 نوفمبر سنة 1948 مجموعة القواعد القانونية ج 7 رقم 690 .
( 3 ) نقض 25 يونية سنة 1962 مجموعة أحكام النقض س 13 رقم 141 ص 559 .
( 4 ) نقض 25 يناير سنة 1943 مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 85 ص 118 .
( 5 ) نقض 27 نوفمبر سنة 1939 السابق الإشارة إليه .
( 6 ) نقض 21 أكتوبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض س 4 رقم 17 ص 41 .
( 7 ) نقض أول مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض س 5 رقم 130 ص 392 .
( 8 ) نقض 9 يناير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض السنة الأولى رقم 82 ص 248 .
ويترتب على الفصل بين التزوير والاستعمال أن مرتكب التزوير يعاقب ولو لم يستعمل الورقة المزورة ، وأن من يستعمل الورقة المزورة يعاقب على فعله ولو لم يرتكب التزوير أو يشترك فيه ( 1 ) ، فإذا كان من ساهم فى التزوير هو الذى استعمل الورقة المزورة ، فإنه يكون مسئولا عن الجريمتين وتوقع عليه عقوبة واحدة ، تطبيقاً للمادة 32/2 من قانون العقوبات ، هذه العقوبة هى عقوبة التزوير فهى إن لم تكن أشد من عقوبة الاستعمال فى بعض الصور فإنها تتسأوى بها .
ونصت المادة 214 من قانون العقوبات على أن : من استعمل الأوراق المذكورة فى المواد الثلاث السابقة وهو يعلم تزويرها يعاقب بالسجن المؤبد أو بالسجن من ثلاث سنين إلى عشر " وتنص المادة 215 على أن "كل شخص ارتكب تزويرا فى محررات أحد الناس بواسطة إحدى الطرق السابق بيانها أو استعمل ورقة وهو عالم بتزويرها يعاقب بالحبس مع الشغل" ومن هذين النصين يتبين أن الركن المادى فى الجريمة هو استعمال ورقة مزورة ، والركن المعنوى هو علم الجانى وقت الاستعمال بتزوير الورقة ، وفيما يلى بيان كل من الركنين .
استعمال ورقة مزورة : لم يبين القانون ما يعد استعمالا للورقة ، ويراد به التمسك أو الاحتجاج بورقة مقدمة لفرد أو لجهة من الجهات ، فلا يرتكب الجريمة من يقدم ورقة مزورة دون أن يتمسك بها ، ولكنه يرتكبها إذا أبدى رغبته فى الاحتجاج بالورقة بعد تقديمها ، ولا يشترط لتوافر الاستعمال أن يكون من يحتج بالورقة هو مقدمها ، فيرتكب الجريمة من يحتج بورقة قدمها غيره ، إذ أن الجريمة ليست فى تقديم الورقة وإنما فى الاحتجاج بها ، وبناء عليه حكم بتوافر ركن الاستعمال باحتجاج زوجة بورقة مزورة قدمها زوجها فى قضية مدنية ، وبأنه إذا كان المتهم قد زور إذن بريد وأرسله إلى والده لصرفه فنفذ الوالد الأمر وقبض القيمة فمعاقبة ذلك المتهم عن الاستعمال تكون صحيحة ، على أنه لا يمكن القول بأن الفاعل قد تمسك أو أحتج بورقة إلا إذ كانت قد قدمت فعلا ، فيدخل فى دائرة الأعمال التحضيرية مجرد إبداء الرغبة فى تقديم الورقة إلى المحكمة أو مجرد الإشارة إلى ما تتضمنه الورقة فى عريضة دعوى .
والاستعمال المعاقب عليه هو استعمال ورقة تكون فى ذاتها مزورة تزويرا يعاقب عليه القانون ، فتغيير الحقيقة فى ورقة هى من صنع من غير فيها ، كفاتورة حساب مثلا ، واستعمالها بعد ذلك لا جريمة فيه ، وقد حكم بأنه يعد استعمالا تسليم سندات مزورة لدائن بصفة ضمان لسداد دينه ، وتقديم كمبيالة مزورة فى أثناء تحقيق تقوم به النيابة ، لتكون مستندا فى الدفاع فى تهمة ، وتقديم عقد البيع المزور للتسجيل ، لأن التسجيل تتحقق به الاستفادة من العقد بنقل الملكية وشهر البيع ونقل التكليف إلى المشترى ، وتقديم الأورنيك المزور - أورنيك رقم ( 2 ) مرور المعد لإثبات نتيجة اختبار من يطلب رخصة لقيادة سيارة - لكاتب الضبط لإرفاقه بملف طلب الرخصة لإصدارها .
وسيان فى جريمة الاستعمال أن يستخدم الجانى الأصل المزور أو الصورة المطابقة له ، وبناء عليه حكم بأن استخراج صورة مطبقة للأصل المزور - شهادة ميلاد - من الدفاتر الرسمية لاستعمالها فعلا مع العلم بالتزوير الحاصل فى الأصل يعد فى القانون استعمالا لورقة رسمية مزورة ، لا على أساس أن هناك تزويرا فى الصورة ، بل على أساس أن البيانات المستشهد عليها بالصورة والواردة فى الدفتر الرسمى مزورة ، فإستعمال الصورة هو فى الواقع وحقيقة الأمر استعمال للدفتر ذاته والصور لم تجعل إلا كشهادات بما هو ثابت به .
تمام الجريمة وانقطاعها وانتهاؤها : التزوير جريمة وقتية غير متجددة الحدوث ، وعلى العكس من ذلك جريمة الاستعمال فهى جريمة مستمرة متجددة الحدوث ، وتتم جريمة الاستعمال بمجرد الاحتجاج أو التمسك بالورقة المقدمة بصرف النظر عما يطرأ بعد ذلك ، فليس بذى شأن أن تتحقق الغاية التى استخدمت الورقة من أجلها ( 3 ) ، ولا يؤثر فى قيام الجريمة عدول الفاعل عن التمسك بالورقة ( 4 ) ، ولا تنتهى الجريمة بالاحتجاج وإنما تتمر نتيجتها فترة من الزمن تنقضى بالتنازل عن الاحتجاج بالورقة أو بالحكم بتزويرها ، والسائد فى مصر فقها وقضاء أن حالة الاستمرار لا تنتهى فى غير حالة التنازل إلا بالحكم النهائى بتزوير الورقة أو بالحكم الذى صار انتهائياً بفوات ميعاد الاستئناف دون الطعن فيه ، ومن تاريخ الحكم النهائى ، أو من التاريخ الذى أصبح فيه الحكم نهائياً ، تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية ، وهذا صحيح فيما يتعلق بانتهاء حالة الاستمرار ، ولكنه غير صحيح على إطلاقه فيما يتعلق بالتاريخ الذى يبدأ منه احتساب المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية ، وبيان هذا أن الاحتجاج بالورقة أمام المحكمة وبالتالى الحالة المستمرة قد ننقطع أو تنتهى مؤقتا بصدور حكم غير نهائى ، ومن هذا التاريخ تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية ، فلو صدر حكم ابتدائى من المحكمة المدنية برد وبطلان الورقة المقدمة ، ولم يرفع استئناف عن الحكم واستحال بدء ميعاد الاستئناف ، لعدم إعلان الحكم مثلا ، فإن الدعوى الجنائية تنقضى بمضى المدة على الحكم الابتدائى إذا لم يطرأ خلالها من الإجراءات ما يقطعها ، وعلى هذا الفقه والقضاء فى إيطاليا ، ولعلة ظاهرة هى أن الاستمرار معناه دوام الاحتجاج ، والمحكوم ضده بتزوير الورقة لم يستمر فى الاحتجاج بالورقة بعد أن حكم ابتدائياً بتزويرها ، وعلى ذلك تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية ابتداء من الحكم الابتدائى أى من تاريخ انقطاع الاستمرار ( 5 ) فإذا استأنف المحكوم عليه لا يتجدد حدوث الجريمة ، لوحدة الغرض الذى من أجله حصل الاحتجاج أمام المحكمة الابتدائية أولا ثم أمام المحكمة الاستئنافية ثانياً ، وإنما يتجدد الاستمرار وينتهى بصدور الحكم الاستئنافى ومن تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية ( 6 ) ، وقد يتجدد الاستمرار بعد ذلك فيما لو طعن المحكوم ضده بالتماس ، وعندئذ تبدأ المدة المسقطة للدعوى من تاريخ الحكم بعدم قبول الالتماس فى الحكم الصادر بتزوير الورقة ( 7 ) .
أما أن الاستعمال جريمة متجددة الحدوث فمعناه أن الجريمة تتم وتنتهى وقد يتجدد حدوثها وانتهاؤها تبعا للأغراض المختلفة التى قد تستعمل فيها الورقة المزورة ، فكلما استعملت مرة لغرض بعينه تحقق ركن الاستعمال ، وكل مرة تستعمل فيها الورقة تعتبر جريمة استعمالها فى هذه المرة مستمرة بمقدار زمن استعمالها أو التمسك بها للغرض الذى ابتدأ استعمالها من أجله ، وغنى عن البيان أن مدة سقوط الدعوى تبتدئ فى كل مرة من نهاية الاستعمال .
القصد الجنائى : لا يشترط لتوافر القصد سوى أن يكون الجانى عالماً وقت الاستعمال أنه يستخدم محررا مزورا ، ولا عبرة بالأغراض التى يتوخاها الجانى فى الاستعمال فهى غايات لا تدخل فى أركان الجريمة فيرتكب الجريمة من يستخدم ورقة مزورة ولو كان يرمى إلى الوصول إلى حق ثابت شرعاً .
ولما كان استعمال المحرر المزور جريمة مستمرة ، فإنه إذا تمسك شخص بورقة مزورة غير عالم بتزويرها ثم علم بعد ذلك بحقيقتها واستمر فى التمسك بها فإن الجريمة تتوافر أركانها فى هذا الوقت ويحق عقابه ، والعلم بتزوير الورقة يجب أن يكون يقينيا تتثبت منه المحكمة وتورد فى حكمها دليلها عليه ، ولما كان مجرد التمسك بالورقة المزورة لا يكفى فى ثبوت ذلك العلم ، مادام المتهم ليسهو الذى قام بتزويرها أو اشترك فى التزوير ، فإن الحكم الذى يقضى بإدانة متهم فى جريمة الاستعمال على أساس مجرد تمسكه بالورقة المزورة يكون معيباً ( 8 ) .
عقوبة الجريمة :
لا تختلف العقوبة بين التزوير والاستعمال فى المحررات العرفية ، فهى فى الجريمتين الحبس ( م 215 ) ، أما استعمال الأوراق الرسمية المزورة فيعاقب عليه بالسجن المشدد أو بالسجن من ثلاث سنين إلى عشر (مادة 214 ) ، سواء حصل التزوير من الموظف المختص بالتحرير أو من غيره ، وهذه العقوبة هى بعينها عقوبة التزوير الذى يرتكب فى محرر رسمى من غير الموظف المختص ، وأدنى من العقوبة المقررة للموظف المختص ، ولعل الشارع قد لحظ أن الحكمة التى دعته إلى تشديد العقاب على الموظف المختص فى جريمة التزوير لا تتوافر فى جريمة الاستعمال .
( 1 ) نقض 29 مايو سنة 1950 مجموعة أحكام النقض س 1 رقم 229 ص 705 .
( 2 ) نقض 22 نوفمبر سنة 1948 مجموعة القواعد القانونية ج 7 رقم 690 .
( 3 ) نقض 25 يونية سنة 1962 مجموعة أحكام النقض س 13 رقم 141 ص 559 .
( 4 ) نقض 25 يناير سنة 1943 مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 85 ص 118 .
( 5 ) نقض 27 نوفمبر سنة 1939 السابق الإشارة إليه .
( 6 ) نقض 21 أكتوبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض س 4 رقم 17 ص 41 .
( 7 ) نقض أول مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض س 5 رقم 130 ص 392 .
( 8 ) نقض 9 يناير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض السنة الأولى رقم 82 ص 248 .