↩ التزوير لدي الفقه والقضاء هو تغيير الحقيقة في محرر بأحد الطرق المقررة قانونا تغييرا من شأنه إلحاق الضرر، ولقد احتدم الجدل بين الفقهاء على مدى إمكانية حصول التزوير بطريق الترك أي بإغفال ذكر بيان كان من الواجب إدراجه في المحرر بما يؤدي إلي أن يصبح مضمون المحرر مختلف في الجملة عما كان يجب أن يكون عليه ومن امثلة التزوير بالترك امتناع كاتب العقد عن ذكر شرط جزائي أتفق أطراف العقد عليه، أو امتناع المأذون عن شرط اشترطته الزوجة يجعل العصمة في يدها، أو امتناع موظف البريد أو البنك عن ذكر بعض مبالغ اودعها المدخرون في صندوق البريد أو البنك في يوم معين، وأيضا إغفال امين السر عمدا دفاع الخصوم في محضر جلسه المحاكمة  وهذا الخلاف قديم ووجد في الفقه المقارن وانتقل إلى الفقه المصري وسببه استقرار الفقه والقضاء علي أن طرق التزوير في المحررات وردت على سبيل الحصر لأ البيان والتمثيل فلا يصح القياس عليها أو التوسع فيها وليس الترك أو الاغفال من ضمنها كما أن التزوير لديهم يجب ان يحصل بفعل ايجابي وليس سلبي.
↩  اختلف الفقه في فرنسا في هذه المسألة فذهب رأي إلي عدم العقاب علي التزوير بالترك لأن الترك ليس من طرق التزوير التي حرص المشرع علي ذكرها كما أن الترك سلوك سلبي والأصل عدم العقاب عليه إلا بنص خاص وهو ما خلا منه القانون، بينما ذهب رأي آخر إلي العقاب علي التزوير بالترك علي اعتبار أن إغفال ذكر بيانات جوهرية في المحرر كان من الواجب إدراجها يندرج تحت لواء جعل واقعة مزورة في صورة واقعه صحيحة وهي أحدي طرق التزوير المعتبره وأن الجريمة سيان أن تقع بفعل ايجابي أو سلبي، وهو ما أخذت به محكمة النقض الفرنسية، كما ذهب اليه جانب من الفقه الإيطالي.
 
 ↩ هذا وتميل محكمة النقض المصرية إلي إمكانية تحقق التزوير في المحررات الرسمية بطريقة الترك متي كان البيان المتروك في المحرر من البيانات الجوهرية الواجب إدراجها فيه كي يكون للمحرر المعني الذي حرر من اجله ولقد عرضت محكمة النقض للمسألة منذ زمن واخذت بما استقر عليه الفقه والقضاء في فرنسا وإيطاليا إذ قضت بأن الراي القائل بعدم وقوع التزوير بالترك  لأن الترك لا يعتبر تغيير للحقيقة إذ التغيير يقتضي فعل ايجابي من جانب مرتكبه والذي يترك شيأ يجب اثباته لأ يرتكب عمل إيجابي قول غير سديد إذ يجب إلا يقتصر النظر علي الجزء الذي تم تركه بل يجب النظر إلي ما كان يجب أن يتضمنه المحرر في مجموعة فإن ترتب علي الترك تغيير في مؤدي هذا المجموع اعتبر الترك تغيير للحقيقة معاقب عليه لكونه تزويرا.

 { نقض ١٩٣٥/٢/٤ - مجموعة القواعد القانونية ج٣ رقم ٣٢٨ ص٤٧١ & نقض ١٩٤٣/٥/٣١ ج٦ رقم ٢٠٠ ص١٧٤ }

⬅ وقضت طبقا لهذا المفهوم بأن وجود ختم هيئة البريد على الإيصال مبيناً به تاريخ الإيداع على نحو يستفاد منه هذا البيان بحيث لم يؤد إغفال تدوينه إلى تغيير الحقيقة في هذا الشأن فلا تزوير أن لم يضع الموظف التاريخ علي هذا الإيصال.

     { الطعن رقم ٥٩٢٧ لسنة ٥٢ ق - جلسة ١٩٨٣/١/٢٥ }

⬅ ولكن علي العكس؛ وقضت بأن خلو شهادة البيانات الصادرة من إدارة المرور من البيان الخاص بحفظ الملكية للشركة البائعة للسيارة وحظر بيعها دون الرجوع إليها هو بيان جوهري أُعدت الشهادة لإثباته وإغفاله يشكل جريمة التزوير المعنوي بطريق الترك.

      {الطعن رقم ٦١٩٠١ لسنة٧٦ ق - جلسة ٢٠١٣/٤/٩}
↩ هذا ولقد أخذ جمهور الفقه بمذهب النقض علي أساس أن الترك يندرج ضمن أحدي صور التزوير المعنوي بجعل واقعه مزروه في صوره واقعه صحيحة.

[ أحمد أمين - شرح قانون العقوبات الاهلي القسم الخاص ]
[ د/السعيد مصطفي السعيد - جرائم التزوير ١٩٤٠ ص ١٩٩ ] 
[ د/محمود مصطفي - شرح قانون العقوبات -القسم الخاص ١٩٨٤- ص١٠٦ ]
[ د/رؤف عبيد جرائم التزييف والتزوير -١٩٨٤ -ص١٢٥ ]
[ د/محمود نجيب حسني - شرح قانون العقوبات القسم الخاص ١٩٨٨ -ص ٣٢١ ]
[ د/عوض محمد عوض -الجرائم المضرة بالمصلحه العامة ١٩٨٥- ص٢٠٥ ]
[ د/فوزية عبد الستار - شرح قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠١٧ص ٢٨٩ ]
[ د/حسن المرصفاوي- قانون العقوبات الخاص ٢٠١٥ ص١٤٤ ]
[ د/محمد زكي أبو عامر - قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠٠٥ص ٣٢٠ ]
[ د.فتوح الشاذلي - شرح قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠١٠ ص ٣٨٠ ]
[ د.رمسيس بهنام- قانون العقوبات جرائم القسم الخاص ٢٠٠٠ ص٣٥٩ ]
                                                                       
↩ ومذهب القضاء والفقه لدينا صحيح ولكن يجب تقييده فأما عن كونه صحيح فيرجع إلي أنه يستوي أن يقع تغيير الحقيقة في المحرر بفعل ايجابي أو سلبي إذ جريمة التزوير من جرائم السلوك المطلق فهي لا تتقيد بشكل السلوك بل تقع بمطلق تغيير الحقيقة في محرر فهي تقع بالفعل وحده أو الامتناع وحده.
 ↩ كما أن طرق التزوير لدينا لم ترد علي سبيل الحصر بدلالة أن الفقه والقضاء استقرا علي اعتبار الاصطناع والتقليد من طرق التزوير رغم عدم الإشارة اليهما في المادتين ٢١١ و٢١٣ من قانون العقوبات كما أن هناك طريقة ادرجها الفقه والقضاء كفيله بإستيعاب ما عداها عنها وهي جعل واقعة مزورة في صوره واقعه صحيحة وهذه الصورة ليس طريقة من طرق التزوير بل هي التزوير ذاته إذ التزوير في حقيقته ليس إلا جعل واقعه مزوره في صوره واقعه صحيحة وهو ما حدا بالفقه الفرنسي إلي ادراج الترك في تلك الطريقة تجنبا لقاله الخروج علي مبدأ الشرعية الجنائية حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. وأما عن تقييد مذهب حصول التزوير بالترك فإننا نعتقد أنه يشرط لتحقق التزوير بالترك أن يكون هناك واجب قانوني يفرض علي الشخص إثبات بيان بعينه في المحرر ثم يغفل ذكره في المحرر عامدا متعمدا وأن يعاصر عدم الإثبات تحرير المحرر وليس بعده وأن يقتصر الترك علي بعض بيانات المحرر فإن كان القانون لأ يلزم الشخص بإثبات البيان أو كان عدم الإثبات راجع عن سهو أو إهمال أو غلط فإن عدم ذكره لا يعد تزويرا بالترك وكذلك لا تزوير أن انصرف الترك إلي كل بيانات المحرر فإن اقرض ضرير مال لآخر وطلب من شخص أن يحرر له سندا بدينه فتواطئ مع المدين وسلم الضرير ورقه بيضاء لم يكن فعله تزوير.